لماذا تصمت المقاومة في غزة بعد الهدنة؟ تحليل سعيد زياد وتكتيك المرحلة القادمة
منذ اليوم الذي تلا انفراط الهدنة في قطاع غزة، عادت الطائرات لتحوم، وعاد القصف ليهزّ البيوت، لكن شيئًا واحدًا لم يعد كما كان: صوت المقاومة خفتَ، أو على الأقل بدا كذلك.
في مقاله المنشور على موقع الجزيرة، يتوقف الكاتب والباحث سعيد زياد أمام هذا "الغياب"، ليطرح رؤية مختلفة: المقاومة لم تصمت لأنها ضعفت، بل لأنها قررت أن تزن خطواتها بعناية، متبعةً ما يشبه "التكتيك البارد" في مواجهة عدو يحاول جرها إلى معركة استنزاف مفتوحة.
ضربة البداية التي أعادت الحسابات
مع بداية التصعيد الأخير، تلقّت غزة ضربة مؤلمة من الطائرات الإسرائيلية، استهدفت مواقع ومنازل بشكل مباغت وعنيف. هذه الضربة، برأي كثيرين، لم تكن مجرد عمل عسكري، بل كانت رسالة استنزاف شاملة. وربما لهذا السبب، فضّلت المقاومة عدم الانجرار لرد فعل فوري، بل لجأت إلى ما يشبه إعادة ضبط استراتيجيتها العسكرية.
من الدفاع الصلب إلى الدفاع الذكي
زياد يرى أن المقاومة انتقلت من "الدفاع الصلب" إلى "الدفاع المرن"، وهو نمط يتيح لها الحفاظ على قواها، والتحرك بحرية أكبر، وتحديد متى وكيف وأين تضرب. لم تعد القضية في "كم" تطلق من القذائف، بل في كيف تُبقي العدو في حالة ارتباك دائم.
الاستنزاف بالمقلوب:جباليا نموذجا
المعادلة انقلبت: فبدلًا من أن يُستنزف المقاتل الفلسطيني في أرضه المحاصرة، تحاول المقاومة أن تستنزف العدو عبر الصمت، الانتظار، والضربات المدروسة. معركة جباليا كانت درسًا في ذلك: ضرب مفاجئ، خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي، ثم انسحاب تكتيكي.
السياسة بعيون الميدان
من المدهش أن تتقاطع هذه الرؤية العسكرية مع الواقع السياسي. فالصمت أيضًا ورقة تفاوض. وكل يوم يمر دون أن تنكسر المقاومة، هو نقطة إضافية في رصيدها أمام العالم، وأمام شعبها، وربما أمام الخصوم أنفسهم.
على أي حال
نظن أن ما يطرحه سعيد زياد جدير بالتقدير والتوقف عنده. فالحروب لا تُخاض فقط في الخنادق، بل أيضًا في العقول.ومقاربة زياد تنسجم مع الواقع، وتكشف عن نضج تكتيكي وفكري للمقاومة والصمود السياسي والعسكري لا يعني فقط أن تُطلق النار، بل أن تعرف متى تمسك الزناد ومتى تنتظر. والمقاومة، في هذا المشهد، تبدو كما لو أنها تكتب فصلاً جديدًا من فصول الوعي القتالي الفلسطيني ,وعلى اي حال في معارك التحرر الطويلة، لا يُقاس النصر بمن يصرخ أولًا، بل بمن يصمد حتى النهاية.
في الختام
غزة، كما عرفناها دومًا، ليست خارج المعركة، لكنها ربما انها تقاتل بعقلها هذه المرة، لا بعضلاتها فقط. و الصمت ليس هزيمة، بل لغة جديدة من لغات المقاومة، حيث المعركة تُدار بالحكمة، لا فقط بالبندقية, صمت غزة اليوم، هو صوتها الأوضح. صوت مقاومة تحسب خطواتها، تُراكم قوتها، وتفكر في المدى البعيد، حيث لا تهم الضربات العشوائية بقدر ما تهم الضربة التي تغيّر المعادلة.