-->
U3F1ZWV6ZTQzNzY1MTc3MzUyX0FjdGl2YXRpb240OTU3OTkwNzU4NDg=
recent
شريط أوغاريت

راديو "أبو بطاريات"…ذاكرة فلسطينية تنبض في كف اليد

 في المساءات الطويلة من الانتفاضة الأولى، عندما كانت الكهرباء تنطفئ فجأة، ويعمّ الصمت ثقيلًا كغبار الجنود بعد انسحابهم من الأزقة... كان هناك ضوء خافت من ركن ما في البيت، وربما على حافة شباك يطل على الظلال، يشتعل صوت الراديو الصغير.

ذلك الراديو المعروف شعبيًا باسم "راديو أبو بطاريات"، لم يكن صغيرًا في حضوره، ولا في ما يحمله من عوالم.

راديو الجيب القديم ابوبطاريات


🕰 ذاكرة اليد التي تدير الزر

لا إنترنت، لا تلفاز... فقط موجات تتقاذفها الريح وتلتقطها أنت من جيبك أو حقيبة الوالد ، كبيسة صغيرة واحيانا عجل تديره بيدك لتفتح ابوابا على العالم متجاوزا التعتيم والحصار وارادة الكهرباء والحاكم العسكري !
راديو أبو بطاريات، بحجمه الصغير وقدرته الكبيرة، كان رفيق البيوت، ورفيق الجبال، ورفيق الليالي المتعبة في الزنازين.

🐐 رعاة في الجبال، وأغنام تتنفس الأخبار

كان الكثير من "الرعيان" او الرعاة يصطحبونه معهم إلى الحقول والجبال ( بشكل شخصي اتذكر جدي كان الراديو لا يفارق راحلة حماره) يحملونه كغرض اساسي من ضمن الزوادة او احيانا يعلقونه على الحزام بجانب "الشبابة" كتميمة، بينما تتحرك الأغنام على إيقاع أخبار من مونت كارلو، أو أغنية وطنية من إذاعة الأردن، أو صوت باكٍ من صوت فلسطين.
كان الراديو لا يروي الأخبار فحسب، بل يُبقي على التوازن النفسي لإنسانٍ محاصر بين الطبيعة والعسكر.

🌃 في البيوت: صوت يجمع العائلة

حين كانت تنقطع الكهرباء، ويغيب التلفاز، لا يبقى سوى أبو بطاريات.
الأسرة تلتفّ حوله كما كانت الأجيال الأولى تلتفّ حول النار، او الاجيال اللاحقة التي كانت تلتف حول مسلسل السهرة من التلفزيون الاردني ، تلفزيون بالالوان في مطلع التسعينات ومنتصفها تقريبا كان رفاهية لا يجدها كثيرون ! المهم خلال كل ذلك كان ابو بطاريات لا يغيب ولا يخذلك نتحلق حوله نسمع أخبار الحرب من الخليج، أخبار الصمود في بيروت، انتصارات صغيرة للمقاومة، ونحفظ أسماء المراسلين كما نحفظ أسماء الأحباب.

راديو قديم


💔 ذاكرة الانتفاضة من خلال موجة قصيرة

في المخيمات، حيث الجدران رطبة والقلوب ساخنة، كان راديو أبو بطاريات يُهرّب لنا أسماء الشهداء، وأخبار الإضرابات، وأحيانًا شيفرة خفية تصلنا من بين السطور.
كان المنعطف الصوتي الذي نحتمي به حين تُمنع الصحف، وتُقفل المدارس، ويُحجب الوطن خلف حواجز الجيش.

🧳 الراديو في حقيبة اللاجئ

لم يكن جزءًا من الديكور، بل من النجاة.

راديو أبو بطاريات كان يُحمل كالمفتاح، كالشهادة، كالصورة الأخيرة.
رفيق في التهجير، وصوت نسمعه فنشعر أن الوطن ما زال يتنفس.

🔌 ما قبل الإنترنت... وما بعده

كم يبدو عتيقًا اليوم ذلك الجهاز؟
هل ما زال له مكان في زمن الهواتف الذكية؟
ربما... لكننا، نحن من عرفناه، نعرف أنه ضروري.
لأنه يومًا، وفي لحظة حرب أو عُزلة أو عتمة... قد نحتاجه من جديد.
الصمت قاتل، والراديو كان وما زال اختراعًا يُنقذ الأرواح من الغرق في الفراغ.


🧭 ما زال في جيب الذاكرة

احتفظوا براديو أبو بطاريات في منازلكم.
ليس لأنه حديث أو متطور... بل لأنه شاهد على ذاكرة، وصوت ناجٍ من زمن طويل.
قطعة من الوطن المحمول، وحين يرحل كل شيء… قد يكون هو الشيء الوحيد الذي يعود.


روابط ذات صلة : 

المونتيلاتو من ذاكرة الانتفاضة الاولى

الاسمبريد إلكترونيرسالة